بلال بن رباح الحبشي، هو أول مؤذن في الإسلام ومؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من قال عنه عمر بن الخطاب إذا ذُكر أبو بكر " أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا " يعني بلالاً، أمه سوداء من بني جُمح بمكة، حيث كانت أمه إحدى جواريهم وإمائهم، وكان عبدا يعيش عيشة الرقيق.
كان بلال رضى الله عنه رجلاً شديد السمرة، نحيفٌ الجسد، مفرط الطول، كث الشعر، خفيف العارضين، وكان متواضعا فما ان يسمع كلمات المدح والثناء توجه إليه إلا ويحني رأسه ويغض طرفه ويقول : "إنما أنا حبشي .. كنت بالأمس عبداً".
وتعرض بلال رضى الله عنه لشتى أنواع العذاب لإثناءه عن عبادة الله وحده وترك دين الإسلام، إلا أنه صمد وإستمد قوتة من إيمانه القوي الصامد كالجبال، وكان المشركين يضعونة عرياناً فوق الجمر، وكانوا يطرحونه على الحصى الملتهب في الظهيرة وهو عريان ويلقون بالحجر المستعر على ظهره، وكلما اشتد به العذاب كان يردد " أحدٌ .. أحدٌ"، وكلما طلب منه الكفار ذكر آلهتهم بخير لتحفظ لهم كبريائهم كان يقول: "إن لساني لا يحسنه !!".
وظل يعذب هكذا حتى مر أبو بكر الصديق ذات يوم على المشركين وهم يعذبونه فصاح بهم: "أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ؟؟"، ثم صاح في أمية بن خلف : "خذ أكثر من ثمنه واتركه حراً، فاشتراه أبو بكر وحرره من فوره، ثم قال أمية : خذه، فواللات والعزى لو أبيت إلا أن تشتريه بأوقية واحدة لبعتكه بها، فرد عليه أبو بكر قائلا : "والله لو أبيتم إلا مائة أوقية لدفعتها".
وإشترك بلال رضى الله عنه فى الكثير من الغزوات منها غزوة بدر التي كان شعارها أحدٌ .. أحدٌ، والتى قَتل فيها أمية بن خلف وهو يقول : "رأس الكفر، أمية بن خلف .. لا نجوت إن نجا".
وبعد فتح مكة، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم شاكراً مكبراً على رأس عشرة آلاف من المسلمين متوجهين إلى الكعبة، ثم أمر بلال أن يعلو ظهر الكعبة ويؤذن، ووقفت الألوف المسلمة تردد في خشوع كلمات الأذان.
وذهب بلال يوماً يخطب لنفسه ولأخيه زوجتين فقال لأبيهما: "أنا بلال، وهذا أخي عبدان حبشيان كنا ضالين فهدانا الله وكنا عبدين فأعتقنا الله إن تزوجنا، فالحمد لله وإن تمنعونا، فالله أكبر"، ولبى القوم طلبهما وزوجوهما الفتاتين.
وبعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم رفض بلال أن يؤذن لأحد، وإختار رضى الله عنه طريق الجهاد فى سبيل الله تنفيذا لقول النبي: "أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله".
ولما زار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام ليتسلم مفاتيح القدس، طلب من بلال أن يُؤذّن لهم، ولم يستطع بلال أن يرفض طلب الخليفة، خاصة عندما قال له أمير المؤمنين: "يا بلال إن هذا يوماً يسر رسول الله" فعلا ظهر المسجد وأذن بصوت حنون جعل الخشوع وخشية الله يسكنان قلوب السامعين، وما ان وصل إلى محمد رسول الله حتى غصت المدينة بالبكاء.
وفي ذات ليلة بينما كان بلال نائما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام يقول له : "ماهذه الجفوة يابلال أما آن لك أن تزورنا؟" فقام من نومه حزينا وإنطلق من فوره إلى المدينة المنورة زائراً لرسول الله، وهناك شاهد الحسن والحسين حفيدي رسول الله فاحتضنهما يقبلهما باكياً فقالا له: "أذن لنا كما كنت تؤذن لجدنا".
وفي وقت السحر سمع الناس الآذان بصوت بلال ينبع من المسجد النبوي فارتجت المدينة بالبكاء وخرج الناس من منازلهم تسيل دموعهم على وجوههم، فلم تشهد المدينة يوماً كهذا إلا يوم موت رسول الله، وعاد بعدها مؤذن رسول الله إلى الشام وتوفي ودفن بالشام، فرضى الله عنه وأرضاه